إمروء القيس 

مَنَعتَ اللّيثَ من أكلِ ابنِ حُجْرِ * وَكادَ اللّيثُ يُودِي بِابنِ حُجْرِ 

مَنَعْتَ فَأنْتَ ذُو مَنٍّ وَنُعْمَى * عَلَيَّ ابنَ الضَّبَابِ بحَيثُ نَدْرِي 

سَأشْكُرُكَ الّذِي دَافَعْتَ عَني * وَمَا يَجْزِيكَ مِني غَيْرُ شُكْرِي 

فَمَا جَارٌ بِأوْثَقَ مِنْكَ جَاراً * وَنَصْرُكَ للفَرِيدِ أعَزُّ نَصْرِ 

                        **********

أحْلَلْتُ رَحْلي في بَني ثُعَلٍ * إنّ الكَرِيمَ للكَرِيم مَحَلْ 

وَجَدْتُ خَيرَ النّاسِ كُلّهِمِ * جَاراً وَأوْفَاهُمْ أبَا حَنْبَلْ 

أقْرَبُهُمْ خَيراً وَأبْعَدُهُمْ * شَرّاً وأسْخَاهُمْ فَلا يَبْخَلْ 

                                **********

لَنِعمَ الفَتى تَعشُو إلى ضَوْءِ نَارِهِ * طَرُيفُ بن مَلءٍ ليلةَ الجوع وَالخَصَرْ

إذا البَازِلُ الكَوْماءُ رَاحتْ عَشِيّةً * تُلاوِذُ من صَوْتِ المُبِسِّينَ بالشجَرْ 

                         **********

الحارث بن حلزة 

لَمَّا جَفَانِي أخِلاَّئي وَأَسْلَمَنِي * دَهْرِي وَلَحْمُ عِظَامِي اليَوْمَ يُعْتَرَقُ 

أقْبَلْتُ نَحْوَأبي قَابُوسَ أمْدَحُهُ * إنَّ الثَّنَاءَ لَهُ وَالحَمْدُ يَتَّفقُ 

سَهْلَ المَبَاءَةِ مخْضرّا مَحَلَّتُهُ * مَا يُصْبحُ الدَّهْرُ إلا حَوْلَهُ حَلَقُ 

لِلْمُنذِرِينَ وَلِلْمَعْصُوبِ لِمَّتُهُ أنْتَ * الضِّيَاءُ الذي يُجْلَى بِهِ الـأُفُقُ 

                         **********

الحطيئة 

لَعَمْرِي لقد أَمْسَى على الـأَمْرِ سَائِسٌ * بَصِيرٌ بِمَا ضّرَّ العَدُوَّ أَرِيبُ 

جَرِيءٌ على ما يَكْرَهُ المَرْءُ صَدْرُهُ * ولِلْفَاحِشَاتِ المُنْدِياتِ هَيُوبُ 

سَعِيدٌ وما يَفْعَلْ سَعِيدٌ فإنَّهُ * نَجِيبٌ فَلاهُ في الرِّبَاطِ نَجِيبُ 

سَعِيدٌ فلا يَغْرُرْكَ خِفَّةُ لَحْمِهِ * تَخَدَّدَ عنه اللّحْمُ وهُوَ صَلِيبُ 

إذا خَافَ إصْعَاباً مِنَ الـأَمْرِ صَدْرُهُ * عَلاهُ بَتاتَ الـأَمْرِ وَ هْوَ رَكُوبُ 

إذا غِبْتَ عَنَّا غَابَ عَنَّا رَبِيعنا * و نُسْقَى الغَمَامَ الغُرَّ حين تَؤُوبُ 

فنِعْمَ الفَتَى تَعْشُو إلى ضَوْءِ نارِهِ * إذا الرِّيْحُ هبَّتْ والمكانُ جَدِيبُ 

و ما زِلْتَ تُعْطِي النّفْسَ حتّى كأنّما * يَظَلُّ لـأِقْوامٍ عليكَ نُحُوبُ 

إليكَ تَنَاهَى كُلُّ أَمْرٍ يَنُوبُنا و * عِنْدَ ظِلالِ المَوْتِ أَنْتَ حَسِيبُ 

                                 **********

النابغة الذبياني 

كِلِيني لِهَمٍّ يا أُمَيْمَةَ ناصِبِ * وَلَيْلٍ أُقاسِيهِ بَطيءِ الكَواكِبِ 

تطَاوَلَ حتى قُلتُ ليسَ بمُنْقَضٍ * وَليسَ الذي يَرْعى النّجومَ بآئِبِ 

وصَدرٍ أراحَ اللّيلُ عازِبَ هَمِّه * تضاعَفَ فيه الحزْنُ مِنْ كلِّ جانبِ 

عليَّ لِعَمْرٍو نِعْمَةٌ بعدَ نِعْمَةٍ * لوالِدِه ليست بذاتِ عَقارِبِ 

حَلَفْتُ يَميناً غيرَ ذي مَثْنَوِيّةٍ * وَلا عِلْمَ إلاّ حُسنُ ظنٍّ بصاحبِ 

لئِن كانَ للقَبرَينِ: قبرٍ بجِلّقٍ * وقبرٍ بصَيداء الذي عندَ حارِبِ 

وللحارِثِ الجَفْنيّ سيّدِ قومِهِ * لَيَلْتَمسَنْ بالجَيْشِ دارَ المُحارِبِ 

وَثِقتُ لـه بالنّصرِ إذ قيلَ قد غزتْ * كتائِبُ مِنْ غَسّانَ غيرُ أشائِبِ 

بنُو عَمّه دُنيا وعَمْرُو بنُ عامِرٍ * أولئِكَ قومٌ بأسُهُم غيرُ كاذبِ 

إذا ما غَزَوْا بالجيشِ حَلّق فَوْقَهمْ * عَصائبُ طَيرٍ تَهتَدي بعَصائبِ 

يُصاحِبْنَهُمْ حتى يُغِرْنَ مُغارَهم * مِنَ الضّارياتِ بالدّماءِ الدّوارِبِ 

تراهنَّ خلفَ القوْمِ خُزْراً عُيُونُها * جُلوسَ الشّيوخِ في ثيابِ المرانِبِ 

جوَانِحَ قد أيْقَنَّ أنَّ قَبيلَهُ * إذا ما التَقَى الجَمعانِ أوّلُ غالبِ 

لُهنَّ علَيهِمْ عادةٌ قد عَرَفْنَها * إذا عُرِّضَ الخَطِّيُّ فوقَ الكواثبِ 

على عارِفاتٍ للطّعانِ عَوابِسٍ * بهِنّ كُلُومٌ بَينَ دامٍ وجالِبِ 

إذا استُنزِلُوا عَنهُنَّ للطّعنِ أرقلوا * إلى الموتِ إرقالَ الجِمالِ المصاعبِ 

                               **********

إنّي كأنّي لدى النّعْمانِ خَبّرَهُ * بعضُ الـأودّ حديثاً غيرَ مَكذوبِ 

بأنّ حِصنْاً وحَيّاً منْ بَني أسَدٍ قاموا * فقالوا: حِمانا غيرُ مَقرُوبِ 

ضَلّتْ حُلُومُهُمُ عنهُم وغرّهُمُ * سَنُّ المُعَيْديّ في رَعْيٍ وتَعزيبِ 

قادَ الجيادَ مِنَ الجَولانِ قائظَةً * مِنْ بَينِ مُنْعَلَةٍ تُزْجى ومجنوبِ 

حتى استغاثتْ بأهلِ المِلحِ ما طعِمتْ * في منزلٍ طَعْمَ نَوْمِ غيرَ تأويبِ 

يَنضَحْنَ نَضْحَ المزادِ الوُفْرِ أتأقَها * شَدُّ الرُّواةِ بماءٍ غيرِ مَشروبِ 

قُبُّ الـأياطِلِ تَردي في أعِنّتِها * كالخاضِباتِ منَ الزُّعرِ الظّنابيبِ 

شُعْتٌ عليها مِساعيرٌ لِحَرْبِهِمُ * شُمُّ العَرانِينِ مِنْ مُرْدٍ ومن شِيبِ 

وما بحِصْنٍ نْعاسٌ إذ تُؤرّقُهُ * أصْواتُ حَيٍّ علي الـأمرارِ مَحرُوبِ 

ظَلّتْ أقاطيعُ أنعامٍ مُؤبَّلةٍ * لدى صَليبٍ على الزّوْراءِ منصوبِ 

فإذا وُقيتِ بحمدِ اللَّهِ شِرّتَها * فانجي فَزارَ إلى الـأطوادِ فاللُّوبِ 

ولا تُلاقي كما لاقَتْ بَنو أسَدٍ * فقدَ أصابَتْهُمُ منها بشُؤبُوبِ 

لم يَبقَ غيرُ طَريدٍ غير مُنْفَلِتٍ * ومُوثَقٍ في حِبالِ القِدّ مَسْلوبِ 

أو حُرةٍ كَمهَاةِ الرّملِ قد كُبِلَتْ * فوقَ المعَاصِمِ منها والعَراقيبِ 

تدَعو قُعَيْناً وقد عَضّ الحديدُ بها * عَضَّ الثّقافِ على صُمّ الـأنابيبِ 

                           **********

يا دارَ مَيّةَ بالعَليْاءِ فالسَّنَدِ * أقْوَتْ وطالَ عليها سالفُ الـأبَدِ 

وقفتُ فيها أُصَيلاناً أُسائِلُها * عَيّتْ جواباً وما بالربعِ من أحدِ 

إلاّ الـأواريَّ لـأياً ما أُبَيّنُهَا والنُّؤي * كالحَوْضِ بالمظلومةِ الجَلَدِ 

رَدّت عليَهِ أقاصيهِ ولبّدَهُ ضَرْبُ * الوليدةِ بالمِسحاةِ في الثَّأَدِ 

خَلَّتْ سَبيلَ أَتِيٍّ كان يَحْبِسُهُ * ورفَّعَتْهُ إلى السَّجْفَينِ فالنَّضدِ 

أمْسَتْ خَلاءً وأمسى أهلُها احْتَمَلُوا * أخنى عَليها الذي أخنى على لُبَدِ 

فعَدِّ عَمّا ترى إذ لا ارتِجاعَ لـه * وانْمِ القُتُودَ على عَيْرانَةٍ أُجُدِ 

مَقذوفةٍ بدخيس النّحضِ بازِلُها لـه * صريفٌ صريفُ القَعْوِ بالمسَدِ 

كأنّ رَحْلي وقد زالَ النّهارُ بنا * يومَ الجليلِ على مُستأنِسٍ وحِدِ 

من وَحشِ وَجْرَةَ مَوْشِيٍّ أكارِعُهُ * طاوي المصيرِ كسيفِ الصّيقل الفَرَدِ

سَرتْ عليه من الجوزاءِ ساريةٌ * تُزجي الشَّمالُ عليهِ جامِدَ البَرَدِ 

فارتاعَ مِنْ صوتِ كَلاّبٍ * فباتَ لـه طوعَ الشّوامتِ مِنْ خوفٍ ومِنْ صَرَدِ 

فبَثّهُنَّ عليهِ واستَمَرّ بِهِ * صُمْعُ الكُعوبِ بريئاتٌ من الحَرَدِ 

وكانَ ضُمْرانُ منه حيثُ يُوزِعُهُ * طَعْنَ المُعارِكِ عند المُحْجَرِ النَّجُدِ 

شكَّ الفَريصةَ بالمِدْرى فأنفَذَها * طَعْنَ المُبَيطِرِ إذ يَشفي من العَضَدِ 

كأنّه خارجا من جنبِ صَفْحَتِهِ * سَفّودُ شَرْبٍ نَسُوهُ عندَ مُفْتَأدِ 

                          **********

فَتًى تَمّ فيهِ ما يَسُرّ صديقَهُ * على أنّ فيه ما يُسيءُ المُعادِيَا 

فتًى كملَتْ أخلاقُهُ غير أنّهُ * جوادٌ فما يُبقي على المالِ باقيَا 

                         **********

الأعشى 
أوَصَلْتَ صُرْمَ الحَبْلِ مِنْ * سَلْمَى لِطُولِ جِنَابِهَا
وَرَجَعْتَ بَعْدَ الشّيْبِ تَبْ * غِي وُدّهَا
بِطِلابِهَا أقْصِرْ، فَإنّكَ طَالَمَا * أُوضِعْتَ في إعْجَابِهَا
أوَلَنْ يُلاحَمَ في الزّجَا * جَةِ صَدْعُهَا بِعِصَابِهَا
أوَلَنْ تَرَى في الزُّبْرِ بَيَ * نَةً بِحُسْنِ كِتَابِهَا
إنّ القُرَى يِوْماً سَتَهْ * لِكُ قَبْلَ حَقّ عَذَابِهَا
وَتَصِيرُ بَعْدَ عِمَارَةٍ * يَوْماً لأمْرِ خَرَابِهَا

وَدّعْ هُرَيْرَةَ إنّ الرَّكْبَ مرْتَحِلُ، * وَهَلْ تُطِيقُ وَداعاً أيّهَا الرّجُلُ؟
غَرّاءُ فَرْعَاءُ مَصْقُولٌ عَوَارِضُها، * تَمشِي الهُوَينا كما يَمشِي الوَجي الوَحِلُ
كَأنّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جارَتِهَا * مَرُّ السّحَابَةِ، لا رَيْثٌ وَلا عَجَلُ
تَسمَعُ للحَليِ وَسْوَاساً إذا انصَرَفَتْ * كمَا استَعَانَ برِيحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ
لَيستْ كمَنْ يكرَهُ الجيرَانُ طَلعَتَهَا، * وَلا تَرَاهَا لسِرّ الجَارِ تَخْتَتِلُ
يَكادُ يَصرَعُها، لَوْلا تَشَدّدُهَا، * إذا تَقُومُ إلى جَارَاتِهَا الكَسَلُ
إذا تُعالِجُ قِرْناً سَاعةً فَتَرَتْ، * وَاهتَزّ منها ذَنُوبُ المَتنِ وَالكَفَلُ
مِلءُ الوِشاحِ وَصِفْرُ الدّرْعِ بَهكنَةٌ * إذا تَأتّى يَكادُ الخَصْرُ يَنْخَزِلُ
صَدّتْ هُرَيْرَةُ عَنّا ما تُكَلّمُنَا، * جَهْلاً بأُمّ خُلَيْدٍ حَبلَ من تَصِلُ؟

المرقشين
أغالِبُكَ القلبُ اللَّجوج صَبَابَةً * وشوقاً إلى أسماءَ أمْ أنتَ غالُبُهْ
يهيمُ ولا يعْيا بأسماء قلبُه * كذاك الهوى إمرارُه وعواقِبُهْ
أيُلحى امرؤ في حبِّ أسماء * قد نأى بِغَمْزٍ من الواشين وازورَّ جانبُهْ
وأسماءُ هَمُّ النفس إن كنتَ عالماً * وبادي أحاديثِ الفؤادِ وغائبهْ
إذا ذكرَتْها النفسُ ظَلْتُ كأنَّني * يُزعزعني قفقاف وِرْدٍ وصالبُهْ

قُلْ لأسماء أَنْجِزي الميعادا * وانْظُري أنْ تُزوِّدي منكِ زادا
أَينما كنتِ أو حَلَلتِ بأَرضٍ * أو بلادٍ أَحيَيْتِ تلكَ البلادا
إن تَكُونِي تَرَكْتِ رَبْعَكِ بالشَّأ * مِ وجاوَزْتِ حِمْيراً ومُرادا
فارْتجِي أَن أَكونَ منكِ قريباً * فاسْألي الصَّادِرِين والوُرَّادا
وإذا ما رأَيْتِ رَكْباً مُخِّبِي * نَ يَقُودونَ مُقْرَباتٍ جِيادا
فَهُمُ صُحْبتِي على أَرْحُلِ المَيْ * سِ يُزَجُّونَ أَيْنُقاً أَفْرادا
وإذا ما سمَعتِ من نحوِ أَرضٍ * بِمُحِبٍّ قد ماتَ أَو قِيلَ كادا
فاعْلَمِي غيرَ عِلْمِ شَكٍّ بأَنِّي * ذاكِ، وابْكِي لِمُصْفَدٍ أَنْ يُفادى
أو تناءت بك النوى فلقد قدتِ * فؤادِي لحينه فانقادا
ذاك أنِّي علقت منك جوى الحبّ * وليداً فزدتُ سنّاً فزادا
خليليّ عوجا باركَ الله فيكما وإن * لم تَكُنْ هندٌ لأرضِكما قَصْدا
وقولا لها: ليس الضلالُ أجازَنا * ولكنّنا جُزنا لنلقاكمُ عَمدا
تخيّرتُ من نعمان عودَ أراكةٍ * لهندٍ فمن هذا يُبلِّغه هِندا؟
وأنطيتُهُ سيفي لكيما أقيمَهُ * فلا أوداً فيه استبنتُ ولا خَضْدا
ستبلُغ هنداً إن سلِمْنا قلائصٌ * مَهارى يُقطِّعْنَ الفَلاةَ بنا وَخْدا
فلمّا أنخنا العيسَ قد طال سيُرها * إليهم وجدناهم لنا بالقرى حَشْدا
فناولتها المسواك والقلب خائف * وقلت لها: يا هند أهلكتِنا وَجْدا
فمدَّت يداً في حُسْنِ كلٍّ تناولاً * إليه وقالت: ما أرى مثل ذا يُهْدى
وأقبلت كالمجتاز أدّى رسالةً * وقامت تَجُرُّ المَيْسَنانِيَّ والبُردا
تَعَرَّضُ للحي الذينَ أريدهم * وما التمستْ إلاّ لتقتلني عمدا
فما شبهٍ هند غيرُ أدماءَ خاذِلٍ * من الوحشِ مرتاعٍ تُراعى طَلاًّ فَرْدا
وما نطفَة من مُزْنَةٍ في وَقيعَةٍ * على متن صخر في صفاً خالطت شهْدا
بأطيب من ريّا عُلالة ريقها * غداة هضاب الطلّ في روضة تندى

سَرى لَيْلاً خَيالٌ مِنْ سُلَيْمى * فَأَرَّقَني وأصْحابي هُجُودُ
فَبِتُّ أُدِيرُ أَمْرِي كلَّ حالٍ * وأَرْقُبُ أَهْلَها وهُمُ بعيدُ
عَلى أَنْ قَدْ سَما طَرْفِي لِنارٍ * يُشَبُّ لها بذِي الأَرْطى وَقُودُ
حَوالَيْها مَهاً جُمُّ التَّراقي * وأَرْآمٌ وغِزْلانٌ رُقُودُ
نَواعِمُ لا تُعالِجُ يُؤْسَ عَيْشٍ * أَوانِسُ لا تُراحُ وَلا تَرُودُ
يَزُحْنَ مَعاً بِطاءَ المَشْيِ بُدّاً * عليهنَّ المَجاسِدُ والبُرُودُ
سَكَنَّ ببلْدَةٍ وسَكَنْتُ أُخْرى * وقُطِّعَتِ المواثِقُ والعُهُودُ

إمرؤ القيس
أفاطِمَ مَهْلاً بَعْضَ هذا التّدَلُّلِ * وَإن كُنتِ قد أزمعْتِ صَرْمي فأجْمِلي
أغَرّكِ مني أنّ حُبّكِ قاتِلي * وَأنّكِ مهما تأْمُري القلبَ يَفْعلِ
وَإنْ تكُ قد ساءتْكِ مني خَليقَةٌ * فسُلّي ثيابي من ثيابِكِ تَن

مهفهفة بيضاء غير مفاضة * ترائبها مصقولة كالسجنجل
كبكرة المقاناة البياض بصفرة * غذاها نمير الماء غير المحلل
تصد وتبدي عن أسيل وتتقي * بناظرة من وحش وجرة مطفل
وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش * إذا هي تصته ولا بمعطل
وفرع يزين المتن أسود فاحم * أثبت كقنو النخلة المتعثكل
غدائره مستشزرات إلى العلا * تضل المدارى في مثنى ومرسل
وتعطو برخص غير شثن كأنه * أساريع ظبى أو مساويك اسحل
وتضحى فتبت المسك فوق فراشها * نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل
تضئ الظلام بالعشاء كأنها * منارة ممسى راهب متبتل
إلى مثلها يرنو الحليم صبابة * إذا ما اسبكرتت من درع ومجول

جميل بن المعمر
ألا ليت ريعان الشباب جديد * ودهرا تولى - يا بثين - يعود
فنبقى كما كنا نكون وأنتمو * قريب وإذ ما تبذلين زهيد
وما أنسى الأشياء لا أنسى قولها * وقد قربت نضوي : أمصر تريد
و لا قولها : لولا العيون التي ترى * لزرتك فاعذرني فدتك جدود
خليلي ما ألقى من الوجد باطن * ودمعي - بما أخفي الغداة - شهيد
إذا قلت : ما بي يا بثينة قاتلي * من الحب قالت : ثابت ويزيد
وإن قلت : ردي بعض عقلي أعش به * تولت وقالت : ذاك منك بعيد
فلا أنا مردود بما جئت طالبا * ولا حبها فيما يبيد يبيد
جزتك الجوازي يا بثين سلامة * إذا ما خليل بان وهو حميد
وقلت لها : بيني وبينك فاعملي * من الله ميثاق له وعهود
وقد كان حبيكم طريفا وتالدا * وما الحب إلا طارف وتليد
وإن عروض الوصل بيني وبينها * وإن سهلته بالمنى لكؤود
وأفنيت عمري بانتظاري وعدها * وأبليت فيها الدهر وهو جديد
ويحسب نسوان من الجهل أنني * إذا جئت إياهن كنت أريد
فأقسم طرفي بينهن فيستوي * وفي الصدر بون بينهن بعيد
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * بوادي القري إني إذن لسعيد
وهل أهبطن أرضا تظل رياحها * لها بالثنايا القاويات وئيد
وهل ألقين " سعدي " من الدهر مرة * وما رث من حبل الصفاء جديد
وقد تلتقي الأشتات بعد تفرق * وقد تدرك الحاجات وهي بعيد
إذا جئتها يوما من الدهر زائرا * تعرض منفوض اليدين صدود
يصد ويغضي عن هواي ويجتني * ذنوبا عليها إنه لعنود
فأصرمها خوفا كأني مجانب * ويغفل عنا مرة فعنود
ومن يعط في الدنيا قرينا كمثلها * فذلك في عيش الحياة رشيد
يموت الهوى مني إذا ما لقيتها * ويحيا إذا فارقتها فيعود
يقولون : جاهد يا جميل بغزوة * وأي جهاد غيرهن أريد
لكل حديث عندهن بشاشة * وكل قتيل عندهن شهيد
وأحسن أيامي وأبهج عيشتي * إذا هيج بي يوما وهو قعود
تذكرت ليلى فالفؤاد عميد * وشطت نواها فالمزار بعيد
علقت الهوى منها وليدا فلم يزل * إلى اليوم ينمي حبها ويزيد
فما ذكر الخلان إلا ذكرتها * ولا البخل إلا قلت سوف تجود
إذا فكرت قالت : قد أدركت وده * وما ضرني بخلي فكيف أجود
فلو تكشف الأشياء صودف تحتها * لبثنة حب طارف وتليد
ألم تعلمي يا أم ذي الودع انني * أضاحك ذكراكم وأنت صلود !
فهل القين فردا بثينة ليلة * تجود لنا من ودها ونجود
ومن كان في حبي بثينة يمتري * " فبرقاء ذي ضال " علي شهيد

أبي القلب إلا حب بثنة لم يرد * سواها وحب القلب بثنة لا يجدي
أبي القلب إلا حب بثنة لم يرد * سواها وحب القلب بثنة لا يجدي
تعلق روحي روحها قبل خلقنا * ومن بعد ما كنا نطافا وفي المهد
فزاد كما زدنا فأصبح ناميا * وليس إذا متنا بمنتقض العهد
ولكنه باق على كل حالة * وزائرنا في ظلمة القبر واللحد
على أن من قد مات صادف راحة * وما بفؤادي من رواح ولا رشد
يكاد فضيض الماء يخدش جلدها * إذا اغتسلت بالماء من رقة الجلد
وقد لامني فيها أخ ذو قرابة * حبيب إليه من ملامته رشدي
وقال أفق حتى متى أنت هائم * ببثنة فيها قد تعيد وقد تبدي
فقلت له فيها قضى الله ما ترى * علي وهل فيما قضى الله من رد
فإن كان رشدا حبها أو غواية * فقد جئته ما كان مني على عمد

طرفة بن العبد
أتعْرِفُ رسمَ الدارِ قَفْراً مَنازِلُهْ، * كجَفْنِ اليمانِ زَخرَفَ الوشيَ ماثلُهْ
بتثلِيثَ أوْ نَجرَانَ أوْ حيثُ تَلتقي، * منَ النّجْدِ في قِيعانِ جأشٍ مسائلُه
دِيارٌ لِسلْمى إذ تصِيدُكَ بالمُنى، * وإذ حبلُ سلمى منكَ دانٍ توَاصُلُه
وإذ هيَ مثلُ الرّئمِ، صِيدَ غزالُها، * لها نَظَرٌ ساجٍ إليكَ، تُوَاغِلُهْ
غَنِينا، وما نخشى التّفرّقَ حِقبَةً، * كِلانا غَريرٌ، ناعِمُ العيش باجِلُه
لَيَاليَ أقْتادُ الصِّبا ويَقُودُني، * يَجُولُ بنَا رَيعانُهُ ويُحاوِلُه
سَما لكَ من سلْمى خَيالٌ ودونَها * سَوَادُ كَثِيبٍ، عَرْضُهُ فأمايِلُهْ
فذُو النّيرِ فالأعلامُ من جانبِ الحِمى * وقُفٌّ كظَهْرِ التُّرْسِ تجري أساجله
وأنّى اهْتَدَتْ سلمى وَسائلَ، بَيننا * بَشاشَةُ حُبٍّ، باشرَ القلبَ داخِلُهْ
وكم دُونَ سَلمى من عدُوٍّ وبلدةٍ * يَحارُ بها الهادي، الخفيفُ ذلاذلُه
يَظَلُّ بها عَيرُ الفَلاةِ، كأنّهُ * رقيبٌ يُخافي شَخْصَهُ، ويُضائلُهْ
وما خِلْتُ سلمى قبلَها ذاتَ رِجلةٍ، * إذا قَسْوَرِيُّ الليلِ جِيبَتْ سَرَابلهْ
وقد ذَهَبَتْ سلمى بعَقْلِكَ كُلّهِ، * فهَلْ غيرُ صَيدٍ أحْرَزَتْهُ حَبائِله
كما أحْرَزَتْ أسْماءُ قلبَ مُرَقِّشٍ * بحُبٍّ كلمْعِ البَرْقِ لاحتْ مَخايله
وأنْكَحَ أسْماءَ المُرَاديَّ، يَبْتَغي * بذلكَ، عَوْفٌ أن تُصَابَ مُقاتِله
فلمّا رأى أنْ لا قَرارَ يُقِرُّهُ، * وأنّ هَوَى أسْماءَ لا بُدّ قاتِله
تَرَحّلَ مِنْ أرْضِ العرَاقِ مُرَقِّشٌ * على طَرَبٍ، تَهْوي سِراعاً رواحِله
إلى السّرْوِ، أرضٌ ساقه نحوها الهوى، * ولم يَدْرِ أنّ الموْتَ بالسّرْوِ غائله
فغودِرَ بالفَرْدَين: أرضٍ نَطِيّةٍ، * مَسيرَةِ شهْرٍ، دائبٍ لا يُوَاكِله

عنترة بن شداد
بَرْدُ نَسيم الحجاز في السَّحَرِ * إذا أتاني بريحهِ العطِرِ
ألذُّ عندي مِمَّا حَوتْهُ يدي * مِنَ اللآلي والمالِ والبِدَر
ومِلْكُ كِسْرَى لا أَشتَهيه إذا * ما غابَ وجهُ الحبيبِ عنْ نظري
سقى الخِيامَ التي نُصبْنَ على * شربَّةِ الأُنسِ وابلُ المطر
منازلٌ تَطْلعُ البدورُ بها * مبَرْقعاتٍ بظُلمةِ الشَّعر
تَغْتَرِقُ الطَّرْفَ وَهْيَ لاهِيَةٌ * كأنّما شَفَّ وَجْهَها نُزُفُ
بيضٌ وسُمْرٌ تَحْمي مَضاربَها * أساد غابٍ بالبيضِ والسُّمر
صادتْ فُؤادي مِنهُنَّ جاريةٌ * مكْحولةُ المقْلتين بالحور
تريكَ مِنْ ثغرِها إذا ابتَسمت * كأسَ مُدامٍ قد حُفَّ بالدُّررِ
أعارت الظَّبيَ سِحرَ مقْلتها * وباتَ ليثُ الشَّرَى على حذَر
خودٌ رداحٌ هيفاءُ فاتِنةٌ * تُخجلُ بالحُسنِ بهجةَ القمر
يا عبلَ نارُ الغرام في كَبدي * ترمي فؤَادي بأَسْهُم الشرر

إن طيف الخيال يا عبل يشفي * ويداوي به فؤادي الكئيب
وهلاكي في الحب أهون عندي * من حياتي إذا جفاني الحبيب
يا نسيم الحجاز لولاك تطفا * نار قلبي أذاب جسمي اللهيب
لك منى إذا تنفست حر * ولرياك من عبيلة طيب
ولقد ناح في الغصون حمام * فشجاني حنينه والنحيب
بات يشكو فراق إلف بعيد * وينادي أنا الوحيد الغريب
يا حمام الغصون لو كنت مثلي * عاشقا لم يرقك غصن رطيب
فاترك الوجد والهوى لمحب * قلبه قد أذابه التعذيب
كل يوم له عتاب مع الدهر * وأمر يحار فيه اللبيب
وبلايا ما تنقضي ورزايا * ما لها من نهاية وخطوب

أشاقك من عبل الخيال المبهج * فقلبك منه لاعج يتوهج
فقدت التي بانت فبت معذبا * وتلك احتواها عنك للبين هودج
كأن فؤادي يوم قمت مودعا * عبيلة مني هارب يتمعج
خليلي ما أنساكما بل فداكما * أبي وأبوها أين أين المعرج
الماء بماء الدحرضين فكلما * ديار التي في حبها بت ألهج
ديار لذات الخدر عبلة أصبحت * بها الأربع الهوج العواصف ترهج
الا هل ترى إن سط عني مزارها * وأزعجها عن أهلها الآن مزعج
فهل تبلغني دارها شدنية * هملعة بين القفار تهملج

أرض الشربة شعب ووادي * رحلت وأهلها في فؤادي
يحلون فيه وفي ناظري * وإن أبعدوا في محل السواد
إذا خفق البرق من حيهم * أرقت وبت حليف السهاد
وريح الخزامى يذكر أنفي * نسيم عذارى وذات الأيادي
أيا عبل مني بطيف الخيال * على المستهام وطيب الرقاد
عسى نظرة منك تحيا بها * حشاشة ميت الجفا والبعاد
أيا عبل ما كنت لولا هواك * قليل الصديق كثير الأعادي
وحقك لا زال ظهر الجواد * مقيلي وسيفي ودرعي وسادي
إلى أن أدوس بلاد العراق * وأفني حواضرها والبوادي
إذا قام سوق لبيع النفوس * ونادى وأعلن فيه المنادي
وأقبلت الخيل تحت الغبار * بوقع الرماح وضرب الحداد
وأرجع والنوق موقورة * تسير الهويني وسيبوب حادى
وتسهر لي أعين الحاسدين * وترقد أعين أهل الوداد

ترى هذه ريح أرض الشربه * أم المسك هب مع الريح هبه
ومن دار عبلة نار بدت * أم البرق سل من الغيم عضبه
أعبلة قد زاد شوقي وما * أرى الدهر يدني إلى الأحبة
وكم جهد نائبة قد لقيت * لأجلك يا بنت عمي ونكبه
فلو أن عينيك يوم اللقاء * ترى موقفي زدت لي في المحبه
يفيض سناني دماء النحور * ورمحي يشك مع الدرع قلبه
وأفرح بالسيف تحت الغبار * إذا ما ضربت به ألف ضربه
وتشهد لي الخيل يوم الطعان * بأني أفرقها ألف سربه
وإن كان جلدي يرى أسودا * فلى في المكارم عز ورتبه
ولو صلت العرب يوم الوغى * لأبطالها كنت للعرب كعبه
ولو أن للموت شخصا يرى * لروعته ولأكثرت رعبه

إذا رشقت قلبي سهام من الصد * وبدل قربي حادث الدهر بالبعد
لبست لها درعا من الصبر مانعا * ولاقيت جيش الشوق منفردا وحدي
وبت بطيف منك يا عبل قانعا * ولو بات يسري في الظلام على خدي
فبالله يا ريح الحجاز تنفسي * على كبد حري تذوب من الوجد
ويا برق إن عرضت من جانب الحمى * فحي بن عبس على العلم السعدي
وإن خمدت نيران عبلة موهنا * فكن أنت في أكنافها نير الوقد
وخل الندى ينهل فوق خيامها * يذكرها أني مقيم على العهد
عدمت اللقا إن كنت بعد فراقها * رقدت وما مثلت صورتها عندي
وما شاق قلبي في الدجى غير طائر * ينوح على غصن رطيب من الرند
به مثل ما بي فهو يخفى من الجوى * كمثل الذي أخفي ويبدي الذي أبدي
ألا قاتل الله الهوى كم بسيفه * قتيل غرام لا يوسد في اللحد

ولولا فتاة في الخيام مقيمة * لما اخترت قرب الدار يوما على البعد
مهفهفة والسحر من لحظاتها * إذا كلمت ميتا يقوم من اللحدا
أشارت إليها الشمس عند غروبها * تقول إذا اسود الدجى فاطلعي بعدي
وقال لها البدر المنير ألا اسفري * فإنك مثلي في الكمال وفي السعد
فولت حياء ثم أرخت لثامها * وقد نثرت من خدها رطب الورد
وسلت حساما من سواجي جفونها * كسيف أبيها القاطع المرهف الحد
تقاتل عيناها به وهو مغمد * ومن عجب أن يقطع السيف في الغمد
مرنحة الأعطاف مهضومة الحشا * منعمة الأطراف مائسة القد
يبيت فتات المسك تحت لثامها * فيزداد من أنفاسها أرج الند
ويطلع ضوء الصبح تحت جبينها * فيغشاه ليل من دجى شعرها الجعد
وبين ثناياها إذا ما تبسمت * مدير مدام يمزج الراح بالشهد
شكا نحرها من عقدها متظلما * فواحربا من ذلك النحر والعقد
فهل تسمح الأيام يابنة مالك * بوصل يداوي القلب من ألم الصد
سأحلم عن قومي ولو سفكوا دمي * وأجرع فيك الصبر دون الملا وحدي

جفون العذارى من خلال البراقع * أحد من البيض الرقاق القواطع
إذا جردت ذل الشجاع وأصبحت * محاجره قرحى بفيض المدامع
سقى الله عمي من يد الموت جرعة * وشلت يداه بعد قطع الأصابع
كما قاد مثلي بالمحال إلى الردى * وعلق آمالي بذيل المطامع
لقد ودعتني عبلة يوم بينها * وداع يقين أنني غير راجع
وناحت وقالت كيف تصبح بعدنا * إذا غبت عنا في القفار الشواسع
وحقك لا حاولت في الدهر سلوة * ولا غيرتني عن هواك مطامعي
فكن واثقا مني بحسن مودة * وعش ناعما في غبطة غير جازع
فقلت لها يا عبل إني مسافر * ولو عرضت دوني حدود القواطع
خلقنا لهذا الحب من قبل يومنا * فما يدخل التفنيد فيه مسامعي
أيا علم السعدى هل أنا راجع * وانظر في قطريك زهر الأراجع
وتبصر عيني الربوتين وحاجرا * وسكان ذاك الجرع بين المراتع
وتجمعنا أرض الشربة واللوى * ونرتع في أكناف تلك المرابع
فيا نسمات البان بالله خبري * عبيلة عن رحلي بأي المواضع
ويا برق بلغها الغداة تحيتي * وحي دياري في الحمى ومضاجعي
وحقك أشجاني التباعد بعدكم * فهل أنتم أشجاكم البعد من بعدي

رَمَتِ الفُؤَادَ مَلِيحَةٌ عَذْرَاءُ * بِسِهَامِ لَحْظٍ ما لَهُنَّ دَوَاءُ
مَرَّتْ أوَانَ العِيدِ بَيْنَ نَوَاهِدٍ * مِثْلِ الشُّمُوسِ لِحَاظُهُنَّ ظِبَاءُ
فاغْتَالَني سَقَمِي الَّذِي في بَاطِني * أخْفَيْتُهُ فأَذَاعَهُ الإخْفَاءُ
خَطَرَتْ فَقُلْتُ قَضِيبُ بَانٍ حَرّكَتْ * أعْطَافَهعُ بَعْدَ الجَنُوبِ صَبَاءُ
وَرَنَتْ فَقُلْتُ غَزَالةٌ مَذْعُورَةٌ * قَدْ رَاعَهَا وَسْطَ الفلاَةِ بلاَءُ
وَبَدَتْ فَقُلْتُ البَدْرُ ليْلَةَ تِمِّهِ * قدْ قلَّدَتْهُ نُجُومَهَا الجَوْزَاءُ
بسَمَتْ فلاَحَ ضياءُ لؤلؤ ثَغْرِها * فِيهِ لِدَاءِ العَاشِقِينَ شِفَاءُ
سَجَدَتْ تُعَظِّمُ رَبَّها فَتَمايلَتْ * لِجَلاَلِها أَرْبابُنا العُظَمَاءُ
يَا عَبْلَ مِثْلُ هَواكِ أَوْ أَضْعَافُهُ * عِنْدي إذَا وَقَعَ الإيَاسُ رَجَاءُ
إن كَانَ يُسْعِدُنِي الزَّمَانُ فإنَّني * في هِمَّتي لِصُرُوفِهِ أزراءُ

إذا الريحُ هبَّتْ منْ ربى العلم السعدي * طَفا برْدُها حرَّ الصبابةِ والوَجدِ
وذكَّرني قوْماً حَفِظتُ عهُودَهُمْ * فما عَرفُوا قَدري ولاَ حَفِظُوا عهدي
ولولاَ فتاةٌ في الخيامِ مُقيمَةٌ * لما اختَرْتُ قربَ الدَّار يوماً على البعدِ
مُهفْهَفةٌ والسِّحرُ من لَحظاتها * إذا كلَّمتْ ميْتاً يقُوم منَ اللَّحْدِ
أشارتْ إليها الشَّمْسُ عِنْد غرُوبها * تقُول: إذا اسودَّ الدُّجى فاطْلعي بعدي
وقال لها البدْرُ المنير ألاَ اسْفري * فإنَّك مثْلي في الكَمال وفي السَّعْدِ
فوَلّتْ حياءً ثم أَرْخَتْ لِثامَها * وقد نثرَتْ منْ خَدِّها رطِبَ الورْد
وَسَلَّتْ حُساماً من سَواجي جفُونها * كسيْفِ أبيها القاطع المرهفِ الحدّ
تُقاتلُ عيناها به وَهْوَ مُغمدٌ * ومنْ عَجبٍ أنْ يَقْطع السَّيْفُ في الغِمْدِ
مُرنِّحةُ الأَعطاف مَهْضومةُ الحَشا * منَعَّمة الأَطْرافِ مائسة القَدِّ
يبيتُ فُتاتُ المسْكِ تحتَ لثامها * فيزدادُ منْ أنْفاسها أرَجُ النَّدِّ
ويطْلُع ضَوءُ الصبْح تَحتَ جَبينها * فيغْشاهُ ليلٌ منْ دجى شَعرها الجَعد
وبين ثناياها إذا ما تَبسَّمتْ * مديرُ مُدامٍ يَمزجُ الرَّاحَ بالشَّهد
شكا نَحْرُها منْ عِقدها متظلِّماً * فَواحَربا منْ ذلكَ النَّحْر والعقْدِ
فهلْ تسمَحُ الأَيامُ يا ابْنةَ مالكٍ * بوَصْلٍ يُدَاوي القَلْبَ منْ ألم الصَّدِّ
سأَحْلُم عنْ قومي ولو سَفكوا دمي * وأجرعُ فيكِ الصَّبرَ دونَ الملا وحدي
وحَقّكِ أَشْجاني التَّباعدُ بعدكم * فهل أنتمُ أشْجاكُم البُعدُ منْ بعدي
حَذِرْتُ من البيْن المفرِّق بيْننا * وقد كانَ ظنِّي لا أُفارقكمْ جَهدي
فإنْ عاينت عيني المَطايا وركْبها * فرشتُ لدَى أخْفافها صَفحةَ الخدّ

لعُوبٌ بأَلْبابِ الرّجال كأَنَّها * إذا أَسْفَرَتْ بَدْرٌ بدا في المَحَاشِدِ
شَكَتْ سَقَماً كيْما تُعَادَ وما بها * سِوَى فَتْرةِ العيْنَين سقْمٌ لِعائِدِ
منَ البيض لا تلْقاكَ إلاَّ مَصونَةً * وتمْشي كَغُصْنِ البانِ بينَ الولائِدِ
كأَنَّ الثُّريَّا حينَ لاحَتْ عَشيَّةً * على نَحْرِها مَنْظُومَةٌ في القَلائِدِ
منَعَّمةُ الأَطْرافِ خَوْدٌ كأَنَّها * هِلالٌ على غُصْنٍ من البانِ مائِدِ
حَوَى كلَّ حُسْنٍ في الكَوَاعِبِ شَخْصُها * فليْسَ بها إلاَّ عُيوبُ الحَواسد
إذا كانَ دمْعي شاهدي كيفَ أجْحَدُ * ونارُ اشْتياقي في الحَشا تَتَوَقَّد
وهيْهاتَ يَخْفى ما أُكِنُّ مِنَ الهَوَى * وثَوْبُ سَقامي كلَّ يوْمٍ يُجدَّدُ
أُقاتِلُ أشواقي بصبْري تجلّداً * وقَلبيَ في قَيْدِ الغَرامِ مُقَيَّد
إلى الله أشكُو جَوْرَ قَوْمي وظُلْمَهُمْ * إذا لم أجِدْ خِلاً على البُعد يَعْضُدُ
خَليلَيَّ أمسى حُبُّ عبلةَ قاتِلي * وبأْسِي شديدٌ والحُسامُ مُهَنَّدُ
حَرامٌ عليّ النَّوْمُ يا ابنَةَ مالكِ * ومَنْ فَرْشُهُ جمْرُ الغَضا كيْف يَرْقُدُ
سأَنْدبُ حتى يَعْلَم الطَّيْرُ أنني * حَزينٌ ويَرْثي لي الحمامُ المغَرِّدُ
وأَلثِمُ أرْضاً أنْتِ فيها مقيمَةٌ * لَعَلَّ لَهيبي مِنْ ثرى الأَرضِ يَبْرُدُ
رَحَلْتِ وقلْبي يا ابْنَةَ العمِّ تائهٌ * على أثَرِ الأَظْعَانِ للرِّكْب يَنْشدُ
لئنْ تَشْمَتِ الأَعداءُ يا بنْتَ مالكٍ * فإن ودادي مثْلما كانَ يُعهَدُ

ذَنبي لِعبْلةَ ذنبٌ غير مغتفرِ * لمّا تَبلَّجَ صبُح الشَّيبِ في شعري
رَمتْ عُبيلةُ قلْبي من لواحِظِها * بكُلِّ سهْم غريق النَّزعْ في الحَوَرِ
فاعْجب لهنّ سهاماً غيْرَ طائِشَةٍ * من الجفُونِ بلا قوْسٍ ولا وَتَرِ
كم قد حفِظْتُ ذمامَ القوم من ولَهٍ * يَعْتادني لبناتِ الدَّلِّ والخَفَرِ
مُهفْهفاتٍ يَغارُ الغُصنُ حين يَرَى * قدودَها بيْنَ مَيَّادٍ ومنْهصر
يا منْزلاً أدْمعي تجري عليهِ إذا * ضَنَّ السَّحابُ على الأَطْلال بالمطر
أرضُ الشَّربَّةِ كم قضَّيت مُبتهجاً * فيها مَعَ الغيدِ والأَتْرابِ من وَطَرِ
أيّامَ غُصْنُ شَبابي في نعُومتِهِ * ألْهُو بما فيهه من زهرٍ ومن أَثرِ
في كلِّ يومٍ لنا من نَشْرها سَحَراً * ريحٌ شَذَاها كنَشْر الزّهر في السَّحر
وكلُّ غصنٍ قويمٍ راق منْظرهُ * ما حَظُّ عاشِقها مِنْه سوى النَّظرِ
أخْشى عليها ولَوْلا ذاكَ ما وَقَفَتْ * ركائبي بينَ وِرْدِ العَزْمِ والصَّدَرِ
كلاّ ولاَ كُنْتُ بَعد القُرْبِ مُقْتنِعاً * منها على طولِ بُعْدِ الدَّار بالخبر
هُمُ الأَحبَّةُ إنْ خانُوا وإنْ نَقَضوا * عَهدي فما حُلْتُ عَنْ وَجْدي ولا فِكري
أَشكُو منَ الهَجر في سِرٍّ وفي عَلَنٍ * شكْوَى تُؤَثرُ في صلْدِ منَ الحجر

زارَ الخيالُ خيالُ عَبلَةَ في الكَرى * لمُتيِّم نشوانَ محلولِ العُرى
فنهضتُ أشكُو ما لَقيتُ لبُعدها * فتنفَّسَتْ مِسكاً يخالطُ عَنْبَرا
فضَممتُها كيما أقبِّلَ ثغرَها * والدَّمعُ منْ جَفنيَّ قد بلَّ الثرى
وكشفتُ بُرقُعَها فأَشرَقَ وجهُها * حتى أعادَ اللَّيلَ صُبحاً مُسفِراً
عربيَّةٌ يهْتزُّ لِينُ قوَامِها * فيخالُه العشَّاقُ رُمحاً أسمرا
محجوبةٌ بصَوارمٍ وَذَوابلٍ * سمرٌ ودُونَ خبائها أسدُ الشَّرى
يا عَبلَ إنَّ هَواكِ قد جازَ المَدى * وأنا المُعنَّى فيكِ منْ دُون الورى
يا عَبلَ حبُّكِ في عِظامي مَعَ دَمي * لمَّا جرت روحي بجمسي قدْ جرَى
وَلقد عَلِقْتُ بذَيلِ مَنْ فَخُرتْ به * عَبْسٌ وَسيْفُ أبيهِ أفنى حِمْيَرا
يا شأْسُ جرْني منْ غرامٍ قاتلٍ * أبداً أزيدُ بهِ غراماً مُسْعرا
يا شأسُ لولاَ أنّ سلْطانَ الهوى * ماضي العَزِيمةِ ما تملّكَ عنتَرا

سأُضْمِرُ وجدي في فؤَادي وأكْتُم * وأَسْهرُ ليلي والعواذلُ نوَّمُ
وأطْمعُ من دَهري بما لا أنالهُ * وألزمُ منه ذُلَّ منْ ليسَ يرْحمُ
وأَرجو التَّداني منكِ يا ابنةَ مالكٍ * ودونَ التَّداني نارُ حَرْبٍ تُضَرَّمُ
فَمُنِّي بطيْفٍ من خيالِكِ واسأَلي * إذا عادَ عني كيفَ باتَ المتيَّمُ
ولا تَجْزَعي إنْ لَجَّ قوْمُكِ في دَمي * فما لي بعْدَ الهجرِ لَحمٌ ولا دَمُ
ألم تسْمعي نَوْحَ الحمائِم في الدجى * فمنْ بَعضِ أشْجاني وَنَوْحي تعلّموا
ولم يبْقَ لي يا عبلَ شخْصٌ معَرَّفٌ * سوى كبدٍ حَرَّى تذوبُ فأَسقمُ
وتلكَ عِظامٌ بالياتٌ وأَضْلعٌ * على جلدِها جيْشُ الصُّدودِ مخيِّمُ
وإنْ عشْتُ منْ بَعد الفراقِ فما أنا * كما أدَّعي أني بعبلةَ مُغْرَمُ
وإنْ نامَ جفني كانَ نوْمي عُلاَلةً * أقولُ: لعلَّ الطَّيْفَ يأْتي يُسلِّمُ
أَحِنُّ إلى تلكَ المنازلِ كلّما * غدَا طائرٌ في أيكَةٍ يترَنَّمُ
بكيتُ من البيْنِ المُشِتِّ وإنني * صبُورٌ على طعْن القَنا لو عَلمتُمُ

لمن الشُّمُوسُ عزيزَةُ الأَحداج * يَطْلُعنَ بينَ الوشْيِ والدِّيباج
مِنْ كلّ فائِقةِ الجمال كَدُميَةٍ * من لؤْلُؤٍ قدْ صُوِّرَتْ في عاج
تمشي وَتُرفِلُ في الثِّيابِ كأَنَّها * غُصْنٌ تَرَنَّحَ في نَقاً رجَّراج
حفَّتْ بهن مَناصلٌ وذَوابلٌ * ومَشَتْ بهنَّ ذَواملٌ وَنواجي
فيهن هَيفاءُ القَوامِ كأَنها * فُلكٌ مُشرَّعةٌ على الأَمواج
خطَفَ الظَّلامُ كسارقٍ من شعرها * فكأَنَّما قرَنَ الدُّجى بدَياجي
أبْصَرْتُ ثمَّ هَويتُ ثمَّ كَتَمْتُ ما * أَلقى وَلمْ يَعْلَمْ بذَاكَ مُناجي
فوَصلْتُ ثمَّ قَدَرْتُ ثمَّ عَفَفْتُ من * شرَفٍ تناهى بي إلى الإنضاج

لِمَنْ طَللٌ بوَادِي الرَّمْلِ بالي * مَحتْ آثارَهُ ريحُ الشمالِ
وَقَفتُ به وَدَمْعي مِنْ جُفُوني * يَفيضُ على مَغانيهِ الخَوالي
أُسائِلُ عَنْ فَتاةِ بني قُرادٍ * وعنْ أتْرابها ذَاتِ الجمال
وكَيفَ يُجيبني رَسْمٌ مُحيلٌ * بعيدٌ لا يَرُدُّ على سُؤَالي
إذا صاحَ الغُرابُ به شجاني * وأجرى أدْمُعي مِثلَ اللآلي
وأخبرني بأَصْنافِ الرَّزايا * وبالهِجْرانِ منْ بعد الوصال
غُرابَ البيْنِ ما لكَ كلَّ يوْمٍ * تُعاندُني وقد أشغلْتَ بالي
كأَنِّي قد ذَبحتُ بحدِّ سيْفي * فراخَكَ أوْ قَنَصْتُكَ بالحبال
وخبّرْ عنْ عُبيْلةَ أَيْنَ حلّت * وما فعلتْ بها أيدِي اللَّيالي
أنا دَمْعي يَفيضُ وأَنْتَ باكٍ * بلاَ دَمْعٍ فذَاكَ بُكاءُ سالِ
لَحى الله الفِراقَ ولاَ رَعاهُ * فَكَمْ قدْ شَكَّ قلبي بالنّبال
أُقاتِلُ كلَّ جبَّارٍ عَنيدٍ * ويَقْتُلْني الفِراقُ بلا قِتالِ

سلا القلب عما كان يهوى ويطلب * وأصبح لا يشكو ولا يتعتب
صحا بعد سكر وانتخى بعد ذلة * وقلب الذي يهوى العلا يتقلب
إلى كم أداري من تريد مذلتي * وأبذل جهدي في رضاها وتغضب
عبيلة أيام الجمال قليلة * لها دولة معلومة ثم تذهب
فلا تحسبي أني على البعد نادم * ولا القلب في نار الغرام معذب
وقد قلت إني قد سلوت عن الهوى * ومن كان مثلي لا يقول ويكذب
هجرتك فامضي حيث شئت وجربي * من الناس غيري فاللبيب يجرب
لقد ذل من أمسي على ربع منزل * ينوح على رسم الديار ويندب
وقد فاز من في الحرب أصبح جائل * يطاعن قرنا والغبار مطنب
نديمي رعاك الله قم عن لي على * كؤوس المنايا من دم حين أشرب
ولا تسقني كأس المدام فإنها * يضل بها عقل الشجاع ويذهب

قيس بن الخطيم
رَدَّ الخَلِيطُ الجِمَالَ فانْصَرَفُوا * ماذَا عَلَيْهِمْ لَوَ انّهُمْ وَقَفُوا
لَوْ وَقَفُوا ساعةً نُسَائلُهُمْ * رَيْثَ يُضَحّي جِمَالَهُ السَّلَفُ
فِيهِمْ لَعُوبُ العِشاء آنِسَهُ ال * دَّلّ، عَرُوبٌ يَسُوءُها الخُلُفُ
بَيْنَ شُكولِ النّساء خِلْقَتُها * قَصْدٌ، فَلا جَبْلَةٌ وَلا قَضَفُ
تَنامُ عَنْ كُبْرِ شَأنِها فإذا * قَامَتْ رُوَيْداً تَكادُ تَنْغَرِفُ
حَوْراءُ جَيْداءُ يُسْتَضاء بها * كأنّها خُوطُ بَانَةٍ قَصِفُ
تَمْشي كمَشْيِ الزَّهراء في دَمَثِ ال * رَّمْلِ إلى السّهْلِ دونَهُ الجُرُفُ
ولا يَغِثُّ الحَدِيثُ ما نَطَقَتْ * وَهْوَ بِفِيها ذُو لَذَّةٍ طَرِفُ
تَخْزُنُهُ وَهْوَ مُشْتَهًى حَسَنٌ * وَهْوَ إذا ما تَكَلّمَتْ أُنُفُ
يا عبلَ لولا الخيالُ يطرقُني * قضيْتُ لَيلي بالنوحِ والسَّهَرِ
يا عبلَ كَمْ فِتْنةٍ بَليتُ بها * وخُضتُها بالمُهنَّدِ الذَّكر
والخيلُ سُودُ الوجوه كالحةٌ * تخوضُ بحْرَ الهلاَكِ والخطَر
أُدَافعُ الحادثاتِ فيكِ ولاَ * أُطيق دفعَ القَضاءِ والقَدَرِ
بَلْ لَيْتَ أهْلي وأهْلَ أَثْلَةَ في * دارٍ قَرِيبٍ مِنْ حَيْثُ تَخْتَلِفُ
أَيْهاتَ مَنْ أهْلُهُ بِيَثْرِبَ قَدْ * أمْسَى وَمَنْ دُونَ أهْلِهِ سَرِفُ
يا رَبِّ لا تُبْعِدَنْ دِيارَ بَني * عُذْرَة حَيْثُ انصرَفْتُ وانصرَفوا
أبْلِغْ بَني جَحْجَبَى وَقَوْمَهُمُ * خَطْمَةَ أنّا وَرَاءهُمْ أُنُفُ
وأنّنا دُونَ ما يَسومُهُمُ الأع * داءُ مِنْ ضَيْمِ خُطّةٍ نُكُفُ
نَفْلي بِحَدّ الصَّفِيحِ هامَهُمُ * وَفَلْيُنا هَامَهُمْ بِنا عُنُفُ

قيس بن الملوح
تذكرت ليلى والسنين الخواليا * وأيام لا تخشى على اللهو ناهيا
ويوم كظل الرمح قصرت ظله * بليلى فلهاني وما كنت ناسيا
" بتمدين " لاحت نار ليلى وصحبتي * " بذات الغضى " نزجي المطي النواجيا
فقال بصير القوم ألمحت كوكبا * بدا في سواد الليل فردا يمانيا
فقلت له : بل نار ليلى توقدت * " بعليا " تسامى ضوؤها فبدا ليا
فليت ركاب القوم لم تقطع الغضى * وليت " الغضى " ما شى الركاب لياليا
فيا ليل كم من حاجة لي مهمة * إذا جئتكم بالليل لم أدر ما هيا
خليلي إن لا تباكياني ألتمس * خليلا إذا أنزفت دمعي بكي ليا
فما أشرف الأيفاع إلا صبابة * ولا أنشد الأشعار إلا تداويا
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما * يظنان كل الظن أن لا تلاقيا

قيس بن ذريح
عفا سرف من أهله فسراوع * فجنبا أريك فالتلاع الدوافع
لعل لبيني أن يحم لقاؤها * ببعض البلاد إن ما حم واقع
بجزع من الوادي خلا عن أنيسه * عفا وتخطته العيون الخوادع
ولما بدا منها الفراق كما بدا * بظهر الصفا الصلد الشقوق الشوائع
تمنيت أن تلقي لبيناك والمنى * تعاصيك أحيانا وحينا تطاوع
وما من حبيب وامق لحبيبه * ولا ذي هوى إلا له الدهر فاجمع
وطار غراب البين وانشقت العصا * ببين كما شق الأديم الصوانع
ألا يا غراب البين قد طرت بالذي * أحاذر من لبني فهل أنت واقع!
وإنك لو أبلغتها قليلك : اسلمي * طوت حزنا وارفض منها المدامع
أتبكي على لبني وأنت تركتها * وكنت كآت غيه وهو طائع
فلا تبكين في إثر شئ ندامة * إذا نزعته من يديك النوازع
فليس لأمر حاول الله جمعه * مشت ولا ما فرق الله جامع
طمعت بلبني أن تريع وإنما * تقطع أعناق الرجال المطامع
كأنك لم تقنع إذا لم تلاقها * وإن تلقها فالقلب راض وقانع
فيا قلب خبرني إذا شطت النوى * بلبني وصدت عنك ما أنت صانع
أتصبر للبين المشت مع الجوى * أم أنت امرؤ ناسي الحياء فجازع
فما أنا إن بانت لبيني بهاجع * إذا ما استقلت بالنيام المضاجع
وكيف ينام المرء مستشعر الجوى * ضجيع الأسى فيها نكاس روادع
فلا خير في الدنيا إذا لم تواتنا * لبيني ولم يجمع لنا الشمل جامع
أليست لبين تحت سقف يكنها * وإياي هذا إن نأت لي نافع
ويلبسنا الليل البهيم إذا دجا * ونبصر ضوء الصبح والفجر ساطع
تطاتحت رجليها بساطا وبعضه * أطاه برجلي ليس يطويه مانع
وأفرح إن أمست بخير وإن يكن * بها الحدث العادي توعني الروائع
كأنك بدع لم تر الناس قبلها * ولم يطلعك الدهر فيمن يطالع
فقد كنت أبكي والنوى مطمئنة * بنا وبكم من علم ما البين صانع
وأهجركم هجر البغيض وحبكم * على كبدي منه كلوم صوادع
فواكبدي من شدة الشوق والأسى * وواكبدي إني إلى الله راجع
وأعجل للإشفاق حتى يشفني * مخافة وشك البين والشمل جامع
وأعمد للأرض التي من ورائكم * لترجعني يوما إليك الرواجع
فيا قلب صبرا واعترافا لما ترى * ويا حبها قع بالذي أنت واقع
لعمري لمن أمسى وأنت ضجيعة * من الناس ما اختيرت عليه المضاجع
ألا تلك لبنى قد تراخى مزارها * وللبين غم ما يزال ينازع
إذا لم يكن إلا الجوى فكفى به * جوى خزق قد ضمنتها الأضالع
أبائنة لبنى ولم تقطع المدى * بوصل ولا صرم فييأس طامع
يظل نهار الوالهين نهاره * وتهدنه في النائمين المضاجع
سواء فليلي من نهاري وإنما * تقسم بين الهالكين المصارع
ولولا رجاء القلب أن تسعف النوى * لما حملته بينهن الأضالع
له وجبات إثر لبنى كأنها * شقائق برق في السحاب لوامع
نهاري نهار الناس حتى إذا دجا * لي الليل هزتني إليك المضاجع
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى * ويجمعني والهم بالليل جامع
لقد ثبتت في القلب منك مودة * كما تثبتت في الراحتين الأصابع
أبى الله أن يلقى الرشاد متيم * ألا كل أمر حم لابد واقع
هما برحا بي معولين كلاهما * فؤاد وعين جفنها - الدهر - دامع
إذا نحن أنفدنا البكاء عشية * فموعدنا قرن من الشمس طالع
وللحب آيات تبين بالفتى * شحوب وتعرى من يديه الأشاجع
وما كل ما منتك نفسك خاليا * تلاقي ولا كل الهوى أنت تابع
تداعت له الأحزان من كل وجهة * فحن كما حن الظؤار السواجع
وجانب قرب الناس يخلو بهمه * وعاوده فيها هيام مراجع
أراك اجتنبت الحي من غير بغضة * ولو شئت لم تجنح إليك الأصابع
كأن بلاد الله ما لم تكن بها * وإن كان فيها الخلق قفر بلاقع
ألا إنما أبكي لما هو واقع * وهل جزع من وشك بينك نافع
أحال على الدهر من كل جانب * ودامت فلم تبرح على الفجائع
فمن كان محزونا غدا لفراقنا * فملآن فليبك لما هو واقع

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
مدونة المغير الان © جميع الحقوق محفوظة